سر إلى موضع مقتل أبيك , فأوطئهم الخيل , فقد وليتك هذا الجيش ...
هكذا تلقى القائد الشاب الأمر من القائد الأعلى , وبهذا أسلم إليه زمام جيش عرمرم يضم كبار المقاتلين والأبطال , وهو بعد لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره , ولكن أسامة بن زيد كان مستعدا , وكان النبي صلى الله عليه وسلم على علم بذلك حين أصدر له الأمر , فكيف كان ذلك ... ؟
قبل هذا المشهد بعامين كان الاختبار الحقيقي , وقبلها بأعوام عدة كان التطلع لأداء دور في ركاب الدعوة ...كان أسامة بن زيد منذ صغره حريصا أن يكون له دور في الجهاد وفي طريق الدعوة إلى الله , فلم يفوت فرصة للغزو إلا وتطلع للمشاركة فيها فكان _ يتحين الفرصة دائما دون انتظار _ , ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرده دائما ردا جميلا بأنه لازال صغيرا ًعلى المشاركة في الجهاد , ولكن ذلك لم يثنه عن عزمه , حتى سنحت له الفرصة لذلك , ففي العام الثامن للهجرة حين انطلق الرسول إلى حنين انطلق معه أسامة ليشترك في أول قتال حقيقي له وكان عليه حينها أن يثبت بفسه , ويبرهن للجميع أنه ليس بأقل شأناً من أيهم , وبالفعل حينما اهتزت صفوف المسلمين وتراجعوا أمام المفاجأة التي واجههم بها المشركون كأن أسامة على رأس الأحد عشر صحابيا الذين ثبتوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذود عنه , حتى التأم شمل الجيش من جديد , فازدادت مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم , حتى أمره بالخروج على رأس جيش المسلمين إلى قتال الروم وفي الجيش أبو بكر وعمر وغيرهم من الصحابه الكرام رضوان الله عليهم جميعا , فلِمَ كان ذلك ... ؟
من العجيب أن أسامة لم يكن على رأس أي جيش من الجيوش التي بعثها الصديق لقتال المرتدين , ولم يعرف أنه تولى قيادة جيش بحجم ذلك الجيش أحد من الصحابة قط ...!
لقد كان الهدف واضحا ً تمام الوضوح لأسامة رضي الله عنه ؛ " سر إلى موضع مقتل أبيك "وكانت الرؤية جلية أمامه , فكانت وجهته مواضع معينة حددها له النبي صلى الله عليه وسلم ( وليس هنا مقام ذكرها ) , فعندما خرج إلى الروم لم تغره قوة جيشه بالمتابعة بعد أن انتصر في مواضعه تلك , فلربما كان ليحلوا لغيره أن يواصل الزحف في بلاد الروم بغية نشر الإسلام في أرض لم يطأها الإسلام بعد , لقد كان ذلك ليبدوا مثل نصر مؤزر , ولكنه لربما اجترعلى الفئة المؤمنة شرا كبيرا ً وأدخلها حربا ما كانت لتحتملها في ذلك الوقت والمرتدين يحدقون بهم , ولكن أسامة كان قائداً حكيما ؛ فلم يزد عن أربعين يوما ً ,عاد بعدها بالغنائم والأسرى , ولم يخسر جنديا واحدا ً ... !
لقد كان النصر الذي حققه أسامة رضي الله عنه عظيما بحق , منح الدولة الإسلامية وقاية من أن يتطلع الروم لغزوها بعد ارتداد العرب ووفاة الرسول , ومن العرب المرتدين , من أن يتكالبوا جميعا في حلف واحد يستأصل شوكة الإسلام من الأرض , لقد حقق إنجازا عظيما ؛ ذلك أن كان واضح في هدفه أيما وضوح , جلي الرؤية , يعرف جيدا أن المقياس ليس مقدار ما تنجز بقدر ما هو قيمة ما تنجز ...
رضي الله عن أسامة بن زيد , لله دره فقد كان حب رسول الله وابن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ـ
م . ع