افعل ما يحبه الناس [2] - مهارات الاتصال وبناء العلاقات
مفكرة الإسلام: نكمل معًا عزيزي القارئ القواعد التي هي تحت عنوان افعل ما يحبه الناس وتوقفنا في المقال السابق عند القاعدة الثانية وهي: أظهر اهتمامًا بالشخص.... والآن إلى القاعدة الثالثة:
وهي: كن مستمعًا طيبًا وشجع محدثك للكلام عن نفسه:
يقول الله تعالى في كتابه واصفًا المنافقين: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة:61].
فلما كان من المنافقين من لا يفقهون ولا يعلمون ولاحظوا هذا الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا هو الاستماع والإنصات للآخرين فأرادوا أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا 'هو أذن' أي يسمع من كل من يقول له، فيرد الله عليهم فيقول: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة:61] ولا يقر إلا بالحق ولا يقبل إلا الخير والمعروف، لا أذن شر مثلكم أيها المنافقون ثم تتابع الآية: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [التوبة:61].
ولعل الآية توحي إلينا أن الاستماع والإنصات للآخرين هذا رحمة بالناس، ولعلها أيضا تجعلك تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر وأكثر وتجعلك تستشعر مدى المصيبة التي أصابت الأمة حينما فقدت هذا القلب الكبير، وهذه الأذن الصاغية المستمعة لمشاكل الناس وهمومهم.
وأنا أحيانًا أكون في ضيق أو في مأزق وأشعر بالحاجة إلى هذه الأذن المستمعة فأتذكر شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفتقده وأتذكر العلامة الأولى التي ذكرها د/ فضل البهي في كتاب 'حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته' فكانت العلامة الأولى: الحرص على رؤيته وصحبته صلى الله عليه وسلم ويكون فقدهما أشد من فقد أي شيء آخر في الدنيا'.
ولعل هذا الشعور هو الذي يدفعني أكثر للاستماع إلى الناس ومحاولة مساعدتهم، فلماذا لا تقتدي أيها الأخ الكريم برسولك صلى الله عليه وسلم ؟ لماذا تحرم الناس من أذنك؟
الإصغاء
يقول 'إيزاك ماركسون' بطل العالم في مقابلة مشاهير الناس: 'أن معظم الناس يفشلون في طبع أثر طيب في نفوس من يقابلونهم لأول مرة لأنهم يهملون الإصغاء والاهتمام، أنهم يحصرون همهم في الكلام الذي سيقولونه، ومن ثم يصمون آذانهم عن الاستماع، وقد قال لي عظماء الناس: أنهم يفضلون المستمعين الطيبين على المتكلمين ولكن يبدو أن المقدرة على الاستماع أصعب من أي صفة طيبة أخرى.
وها هو ديل كارنيجي يروي لنا قصة حدثت له فيقول: 'قد جمعتني أخيرًا بأحد علماء النبات المبرزين حفل عشاء أقامها الناشر المعروف 'ج جرنيبورج' ولم أكن قد تحدثت إلى أحد علماء النبات من قبل , لذلك وجدت في الاستماع إليه لذة كبرى، وانتصف الليل فتمنيت للمدعوين ليلة سعيدة وانصرفت، وعاد عالم النبات إلى مضيفنا وأجزل له الثناء علي فقد كنت على حد تعبيره 'مثيرًا جدًا'، واختتم حديثه للمضيف بقوله: حقًا إن مستر كارنجي محدث بارع' محدث بارع، أنا؟ وكيف؟ فإني لم أقل شيئًا على الإطلاق، كل ما فعلته أنني استمعت بشغف وقد أحس هو بذلك وسر ذلك، فالاستماع بشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك'.
ويقول جاك وود فورد: 'قل من البشر من يجمد أمام الثناء الذي يتضمنه الإنصات باهتمام'
ولذا فأسأل محدثك أسئلة تظن أنه سيسر بالإجابة عنها. شجعه على الكلام عن نفسه وأعماله وعن المحيط الذي تخصص فيه، وتذكر أن محدثك يهتم بنفسه وبرغباته ومشكلاته أكثر بمائة ضعف من اهتمامه بك.
ومن فوائد هذا الاستماع الجيد أيضًا أنه سيعرفك أكثر بطبيعة الشخص وصفاته وإيجابياته وسلبياته مما يساعدك في معرفة التأثير فيه وتغييره للأفضل.
القاعدة الرابعة: اشكر الآخرين:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'من لم يشرك الناس لم يشكر الله'.
فالناس يحبون من يشكرهم وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل ابتغاء رضاء الله، ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبع في البشر وذلك لا بأس منه شرعًا.
وقد صلى الله عليه وسلم أيضًا: 'من صنع إليه معروف فقال لصاحبه جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء'.
وفي الحياة ستجد أشخاصًا كثيرين يحبونك ويريدون خدمتك، فإذا ما أدى إليك خدمة فهو يحتاج لسماع شكرك لا تفضلاً ولا امتنانًا ولكن ليتأكد أن معنى حبه وتقديره لك وصل، وأنك سعدت بهذه الخدمة واستفدت منها وأن أواصر الأخوة بينكما قد زادت لذا فأنت تقول لشخص مثلاً: 'لا أعرف كيف أشكرك' أو 'لقد أسديت إلي صنيعًا لا أنساه أبدًا' مثل هذه الجمل قد تصنع في الشخص فعل السحر بل تراه بعد ذلك يتحين الفرصة لخدمتك ولصنع المعروف لك ليسمع مثل هذه الكلمات.
ولننظر إلى أستاذ البشرية محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي عز المعركة والمشركون محدقون حوله في غزوة أحد وليس معه إلا طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والموقف شديد الصعوبة والخطورة، ويقوم سعد وطلحة ببطولات نادرة، وكان سعد رضي الله عنه ماهرًا في الرماية مهارة كبيرة، فأخذ يرمي بسهمه يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينسى المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم التشجيع والشكر في هذا الموقف فقال: 'ارم سعد فداك أبي وأمي'، وتذكر كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع أبويه لأحد غير سعد.
القاعدة الخامسة: سهل ورغب شجع:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : 'بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا'.
عندما تقول للشخص مثلاً: هذا العمل صعب جدًا أعتقد أنك ستفشل، هذا العمل ثقيل للغاية، أنت بذلك تصنع عوائق نفسية في طريقه إلى العمل وقد يصدقك بالفعل ولا يستطيع عمله، افعل العكس سهل العمل على الشخص وقل له: 'من السهل عليك إنجاز كذا' أن قدرتك أكثر من ذلك بكثير' أنت تستطيع' 'أنا أثق بك'.
وها هو لاعب البريدج الشهير 'إلى كلبر ستون' الذي تجد اسمه مذكور في كل بيت يلعب فيه البريدج، وقد ترجمت كتبه في هذه اللعبة إلى اثني عشر لغة [مع تحفظنا الشرعي من هذه اللعبة ولكن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها].وبيع من كتبه ما يقرب من مليون نسخة ومع ذلك قال: 'إنه لم يكن ليتخذ من هذه اللعبة حرفة لو لم تقل له سيدة شابة إن له استعدادًا خاصًا لها'.
وأما عن ترغيب الشخص في العمل: فعليك بداية أن تنظر من منظور الشخص الآخر وتضع نفسك في موضعه، وتعلم ماذا يرغب وما هي دوافعه في الحياة لتتمكن بعد ذلك من ترغيبه في العمل الذي تريد بطريقة تفكيره.
فها هو أحد الآباء كان شديد القلق على طفله الذي كان معتل الصحة فاقد الشهية للطعام واستعمل هو وزوجته الطريقة المعتادة: نهر الطفل ولاماه أمك تريدك أن تأكل هذا، أبوك يرغب أن تنمو وتصبح رجلاً، فهل اهتم الطفل بهذه الرغبات؟ بالطبع لا.
وقد أدرك الأب أخيرًا خطأ تفكيره فجعل يسأل نفسه: ماذا يريد الطفل؟ وكيف أوفق بين ما أريد وما يريد؟
وحين بدأ التفكير على هذا النحو سرعان ما حلت المشكلة فقد كان للطفل دراجة يحلو له أن يركبها ولكنه كان يهاب صبيًا يكبره سنًا. ويلذ له دائمًا أن ينحى الطفل عن دراجته ليركبها هو عنوة واقتدارًا. فماذا كان الطفل يريد؟ لقد كان يريد بالطبع الانتقام من هذا الصبي الذي طالما جرح كبرياءه. وعرف أبوه هذا فأقبل عليه يمنيه بأنه يسعه أن ينتقم من غريمه هذا لو أنه أكل ما تريده أمه أن يأكله، وعندئذ حلت المشكلة، فقد أبدى الطفل استعداده ليتناول أصناف الطعام بلا استثناء لكي ينمو ويكبر ويتسنى له أن ينتقم من غريمه.
أراد 'رالف والد وايرسون' وابنه الصغير أن يحملا عجلاً صغيرًا على العودة إلى حظيرته ولكنهما لم يصيبا إذ وضعا نصب أعينهما ما يرغبان فيه وحسب، وفعل العجل الصغير مثلما فعلا تمامًا، وضع نصب عينيه ما يرغب فيه هو فثبت قوائمه في الأرض وأبى أن يتزحزح من مكانه قيد شعره. وشاهدت زوجته هذا المشهد وكانت تعرف ما يريده صغار العجول فأسرعت إلى العجل الصغير ووضعت إصبعها بحنان الأمومة في فمه وتركته يمتص راضيًا.
وتستطيع أيها الداعية الهمام أن تستخدم هذا المبدأ ـ مبدأ ترغيب الشخص في العمل من وجهة نظرهم ـ استخدامًا واسعًا، فهذا يؤثر فيه الكلام عن الدار الآخرة والجنة والنار، وهذا يؤثر فيه واقع المسلمين اليوم ومآسيهم وهذا يؤثر فيه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وهذا يؤثر فيه بلاغة القرآن ودقة ألفاظه، وهذا يؤثر فيه العدد يتأثر إذا حضر لشيخ شهير ورأي هذه الأعداد الغفيرة ملتفة حوله.
وقد تنوعت أساليب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على حسب كل شخص:
فهذا سويد بن الصامت رجل شاعر لبيب يدعوه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال سويد: لعل الذي معك مثل الذي معي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'وما الذي معك'؟ قال حكمة لقمان. قال: ' أعرضها علي'. فعرضها: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'إن هذا لكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا قرآن أنزل الله تعالى عي هو هدى ونورًا' فتلا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام فأسلم.
وهذا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم رجل قوي غيور، أسلم حينما سمع أن أبا جهل آذى النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا أبو سفيان رضي الله عنه يسلم لما يرى عظم جيش المسلمين
وانظر كيف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حصين بعد عبيد إلى الإسلام قال له: يا حصين كم تعبد؟ قال: سبعة آلهة ستة في الأرض وواحد في السماء.
قال: فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟
قال: الذي في السماء. قال: أسلم حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بها [هنا يدعوه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام عن طريق تعليمه دعاءا] فأسلم.
فقال: 'قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي'.
وهذا ضماد الأزدي وكان من أهل اليمن رضي الله عنه وكان يرقى من الجن، فيأت للرسول صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أن يرقيه بعدما سمع من كفار قريش ما سمع فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: 'إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ...' فيسلم رضي الله عنه.
وهكذا اختلف مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شخص لدعوته إلى الإسلام
وأما التشجيع: فيقول الأستاذ على طنطاوي: قرأت مرة أن مجلة إنكليزية كبيرة سألت الأدباء عن الأمر الذي يتوقف عليه نمو العلوم وازدهار الأدب؟ وجعلت لمن يحسن الجواب جائزة قيمة، فكانت الجائزة لكاتبة مشهورة قالت 'إنه التشجيع'.
اجعل دأبك دائمًا أيها الأخ أن تشجع الآخرين، أي فعل إيجابي تراه شجعه، أي إبداع أيده، افتح المجال أمام الناس ليبدعوا وليتحركوا ولينطلقوا وشجعهم على ذلك.
انظر إلى هارون الرشيد رضي الله عنه الذي كان يشجع العلماء وطلبة العلم ويغدق لهم العطايا والصلات حتى قال بن المبارك: فما رأيت عالمًا ولا قارئًا للقرآن ولا سباقًا للخيرات ولا حافظًا للمحرمات في أيام بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو بن ثمان سنين، ولقد كان الغلام، يستبحر في الفقه والعلم ويروي الحديث ويجمع الدواوين ويناظر المعلمين وهو بن إحدى عشرة سنة'.
وفي القرن السادس عشر قامت محاولة ناجحة في عهد الخلاقة العثمانية لتجميع النابغين من جميع الأمصار والقرى وتوفير الرعاية التي جعلت كل نابغة يعطي ما عنده من فن وعلم مما ساعد على ازدهار الدولة العثمانية حضاريًا وعسكريًا حتى باتت تهدد بغزو أوروبا'.
عزيزي القارئ نكتفي بهذا القدر، وانتظرنا في المقال التالي لنستكمل معًا باقي هذه القواعد الهامة ونبدأها بالقاعدة السادسة فإلى اللقاء.
مفكرة الإسلام: نكمل معًا عزيزي القارئ القواعد التي هي تحت عنوان افعل ما يحبه الناس وتوقفنا في المقال السابق عند القاعدة الثانية وهي: أظهر اهتمامًا بالشخص.... والآن إلى القاعدة الثالثة:
وهي: كن مستمعًا طيبًا وشجع محدثك للكلام عن نفسه:
يقول الله تعالى في كتابه واصفًا المنافقين: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة:61].
فلما كان من المنافقين من لا يفقهون ولا يعلمون ولاحظوا هذا الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا هو الاستماع والإنصات للآخرين فأرادوا أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا 'هو أذن' أي يسمع من كل من يقول له، فيرد الله عليهم فيقول: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة:61] ولا يقر إلا بالحق ولا يقبل إلا الخير والمعروف، لا أذن شر مثلكم أيها المنافقون ثم تتابع الآية: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [التوبة:61].
ولعل الآية توحي إلينا أن الاستماع والإنصات للآخرين هذا رحمة بالناس، ولعلها أيضا تجعلك تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر وأكثر وتجعلك تستشعر مدى المصيبة التي أصابت الأمة حينما فقدت هذا القلب الكبير، وهذه الأذن الصاغية المستمعة لمشاكل الناس وهمومهم.
وأنا أحيانًا أكون في ضيق أو في مأزق وأشعر بالحاجة إلى هذه الأذن المستمعة فأتذكر شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفتقده وأتذكر العلامة الأولى التي ذكرها د/ فضل البهي في كتاب 'حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته' فكانت العلامة الأولى: الحرص على رؤيته وصحبته صلى الله عليه وسلم ويكون فقدهما أشد من فقد أي شيء آخر في الدنيا'.
ولعل هذا الشعور هو الذي يدفعني أكثر للاستماع إلى الناس ومحاولة مساعدتهم، فلماذا لا تقتدي أيها الأخ الكريم برسولك صلى الله عليه وسلم ؟ لماذا تحرم الناس من أذنك؟
الإصغاء
يقول 'إيزاك ماركسون' بطل العالم في مقابلة مشاهير الناس: 'أن معظم الناس يفشلون في طبع أثر طيب في نفوس من يقابلونهم لأول مرة لأنهم يهملون الإصغاء والاهتمام، أنهم يحصرون همهم في الكلام الذي سيقولونه، ومن ثم يصمون آذانهم عن الاستماع، وقد قال لي عظماء الناس: أنهم يفضلون المستمعين الطيبين على المتكلمين ولكن يبدو أن المقدرة على الاستماع أصعب من أي صفة طيبة أخرى.
وها هو ديل كارنيجي يروي لنا قصة حدثت له فيقول: 'قد جمعتني أخيرًا بأحد علماء النبات المبرزين حفل عشاء أقامها الناشر المعروف 'ج جرنيبورج' ولم أكن قد تحدثت إلى أحد علماء النبات من قبل , لذلك وجدت في الاستماع إليه لذة كبرى، وانتصف الليل فتمنيت للمدعوين ليلة سعيدة وانصرفت، وعاد عالم النبات إلى مضيفنا وأجزل له الثناء علي فقد كنت على حد تعبيره 'مثيرًا جدًا'، واختتم حديثه للمضيف بقوله: حقًا إن مستر كارنجي محدث بارع' محدث بارع، أنا؟ وكيف؟ فإني لم أقل شيئًا على الإطلاق، كل ما فعلته أنني استمعت بشغف وقد أحس هو بذلك وسر ذلك، فالاستماع بشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك'.
ويقول جاك وود فورد: 'قل من البشر من يجمد أمام الثناء الذي يتضمنه الإنصات باهتمام'
ولذا فأسأل محدثك أسئلة تظن أنه سيسر بالإجابة عنها. شجعه على الكلام عن نفسه وأعماله وعن المحيط الذي تخصص فيه، وتذكر أن محدثك يهتم بنفسه وبرغباته ومشكلاته أكثر بمائة ضعف من اهتمامه بك.
ومن فوائد هذا الاستماع الجيد أيضًا أنه سيعرفك أكثر بطبيعة الشخص وصفاته وإيجابياته وسلبياته مما يساعدك في معرفة التأثير فيه وتغييره للأفضل.
القاعدة الرابعة: اشكر الآخرين:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'من لم يشرك الناس لم يشكر الله'.
فالناس يحبون من يشكرهم وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل ابتغاء رضاء الله، ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبع في البشر وذلك لا بأس منه شرعًا.
وقد صلى الله عليه وسلم أيضًا: 'من صنع إليه معروف فقال لصاحبه جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء'.
وفي الحياة ستجد أشخاصًا كثيرين يحبونك ويريدون خدمتك، فإذا ما أدى إليك خدمة فهو يحتاج لسماع شكرك لا تفضلاً ولا امتنانًا ولكن ليتأكد أن معنى حبه وتقديره لك وصل، وأنك سعدت بهذه الخدمة واستفدت منها وأن أواصر الأخوة بينكما قد زادت لذا فأنت تقول لشخص مثلاً: 'لا أعرف كيف أشكرك' أو 'لقد أسديت إلي صنيعًا لا أنساه أبدًا' مثل هذه الجمل قد تصنع في الشخص فعل السحر بل تراه بعد ذلك يتحين الفرصة لخدمتك ولصنع المعروف لك ليسمع مثل هذه الكلمات.
ولننظر إلى أستاذ البشرية محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي عز المعركة والمشركون محدقون حوله في غزوة أحد وليس معه إلا طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والموقف شديد الصعوبة والخطورة، ويقوم سعد وطلحة ببطولات نادرة، وكان سعد رضي الله عنه ماهرًا في الرماية مهارة كبيرة، فأخذ يرمي بسهمه يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينسى المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم التشجيع والشكر في هذا الموقف فقال: 'ارم سعد فداك أبي وأمي'، وتذكر كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع أبويه لأحد غير سعد.
القاعدة الخامسة: سهل ورغب شجع:
سهل أداء العمل على الشخص، رغب الشخص في العمل، شجعه على العمل.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : 'بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا'.
عندما تقول للشخص مثلاً: هذا العمل صعب جدًا أعتقد أنك ستفشل، هذا العمل ثقيل للغاية، أنت بذلك تصنع عوائق نفسية في طريقه إلى العمل وقد يصدقك بالفعل ولا يستطيع عمله، افعل العكس سهل العمل على الشخص وقل له: 'من السهل عليك إنجاز كذا' أن قدرتك أكثر من ذلك بكثير' أنت تستطيع' 'أنا أثق بك'.
وها هو لاعب البريدج الشهير 'إلى كلبر ستون' الذي تجد اسمه مذكور في كل بيت يلعب فيه البريدج، وقد ترجمت كتبه في هذه اللعبة إلى اثني عشر لغة [مع تحفظنا الشرعي من هذه اللعبة ولكن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها].وبيع من كتبه ما يقرب من مليون نسخة ومع ذلك قال: 'إنه لم يكن ليتخذ من هذه اللعبة حرفة لو لم تقل له سيدة شابة إن له استعدادًا خاصًا لها'.
وأما عن ترغيب الشخص في العمل: فعليك بداية أن تنظر من منظور الشخص الآخر وتضع نفسك في موضعه، وتعلم ماذا يرغب وما هي دوافعه في الحياة لتتمكن بعد ذلك من ترغيبه في العمل الذي تريد بطريقة تفكيره.
فها هو أحد الآباء كان شديد القلق على طفله الذي كان معتل الصحة فاقد الشهية للطعام واستعمل هو وزوجته الطريقة المعتادة: نهر الطفل ولاماه أمك تريدك أن تأكل هذا، أبوك يرغب أن تنمو وتصبح رجلاً، فهل اهتم الطفل بهذه الرغبات؟ بالطبع لا.
وقد أدرك الأب أخيرًا خطأ تفكيره فجعل يسأل نفسه: ماذا يريد الطفل؟ وكيف أوفق بين ما أريد وما يريد؟
وحين بدأ التفكير على هذا النحو سرعان ما حلت المشكلة فقد كان للطفل دراجة يحلو له أن يركبها ولكنه كان يهاب صبيًا يكبره سنًا. ويلذ له دائمًا أن ينحى الطفل عن دراجته ليركبها هو عنوة واقتدارًا. فماذا كان الطفل يريد؟ لقد كان يريد بالطبع الانتقام من هذا الصبي الذي طالما جرح كبرياءه. وعرف أبوه هذا فأقبل عليه يمنيه بأنه يسعه أن ينتقم من غريمه هذا لو أنه أكل ما تريده أمه أن يأكله، وعندئذ حلت المشكلة، فقد أبدى الطفل استعداده ليتناول أصناف الطعام بلا استثناء لكي ينمو ويكبر ويتسنى له أن ينتقم من غريمه.
أراد 'رالف والد وايرسون' وابنه الصغير أن يحملا عجلاً صغيرًا على العودة إلى حظيرته ولكنهما لم يصيبا إذ وضعا نصب أعينهما ما يرغبان فيه وحسب، وفعل العجل الصغير مثلما فعلا تمامًا، وضع نصب عينيه ما يرغب فيه هو فثبت قوائمه في الأرض وأبى أن يتزحزح من مكانه قيد شعره. وشاهدت زوجته هذا المشهد وكانت تعرف ما يريده صغار العجول فأسرعت إلى العجل الصغير ووضعت إصبعها بحنان الأمومة في فمه وتركته يمتص راضيًا.
وتستطيع أيها الداعية الهمام أن تستخدم هذا المبدأ ـ مبدأ ترغيب الشخص في العمل من وجهة نظرهم ـ استخدامًا واسعًا، فهذا يؤثر فيه الكلام عن الدار الآخرة والجنة والنار، وهذا يؤثر فيه واقع المسلمين اليوم ومآسيهم وهذا يؤثر فيه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وهذا يؤثر فيه بلاغة القرآن ودقة ألفاظه، وهذا يؤثر فيه العدد يتأثر إذا حضر لشيخ شهير ورأي هذه الأعداد الغفيرة ملتفة حوله.
وقد تنوعت أساليب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على حسب كل شخص:
فهذا سويد بن الصامت رجل شاعر لبيب يدعوه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال سويد: لعل الذي معك مثل الذي معي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'وما الذي معك'؟ قال حكمة لقمان. قال: ' أعرضها علي'. فعرضها: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'إن هذا لكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا قرآن أنزل الله تعالى عي هو هدى ونورًا' فتلا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام فأسلم.
وهذا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم رجل قوي غيور، أسلم حينما سمع أن أبا جهل آذى النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا أبو سفيان رضي الله عنه يسلم لما يرى عظم جيش المسلمين
وانظر كيف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حصين بعد عبيد إلى الإسلام قال له: يا حصين كم تعبد؟ قال: سبعة آلهة ستة في الأرض وواحد في السماء.
قال: فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟
قال: الذي في السماء. قال: أسلم حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بها [هنا يدعوه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام عن طريق تعليمه دعاءا] فأسلم.
فقال: 'قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي'.
وهذا ضماد الأزدي وكان من أهل اليمن رضي الله عنه وكان يرقى من الجن، فيأت للرسول صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أن يرقيه بعدما سمع من كفار قريش ما سمع فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: 'إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ...' فيسلم رضي الله عنه.
وهكذا اختلف مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شخص لدعوته إلى الإسلام
وأما التشجيع: فيقول الأستاذ على طنطاوي: قرأت مرة أن مجلة إنكليزية كبيرة سألت الأدباء عن الأمر الذي يتوقف عليه نمو العلوم وازدهار الأدب؟ وجعلت لمن يحسن الجواب جائزة قيمة، فكانت الجائزة لكاتبة مشهورة قالت 'إنه التشجيع'.
اجعل دأبك دائمًا أيها الأخ أن تشجع الآخرين، أي فعل إيجابي تراه شجعه، أي إبداع أيده، افتح المجال أمام الناس ليبدعوا وليتحركوا ولينطلقوا وشجعهم على ذلك.
انظر إلى هارون الرشيد رضي الله عنه الذي كان يشجع العلماء وطلبة العلم ويغدق لهم العطايا والصلات حتى قال بن المبارك: فما رأيت عالمًا ولا قارئًا للقرآن ولا سباقًا للخيرات ولا حافظًا للمحرمات في أيام بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو بن ثمان سنين، ولقد كان الغلام، يستبحر في الفقه والعلم ويروي الحديث ويجمع الدواوين ويناظر المعلمين وهو بن إحدى عشرة سنة'.
وفي القرن السادس عشر قامت محاولة ناجحة في عهد الخلاقة العثمانية لتجميع النابغين من جميع الأمصار والقرى وتوفير الرعاية التي جعلت كل نابغة يعطي ما عنده من فن وعلم مما ساعد على ازدهار الدولة العثمانية حضاريًا وعسكريًا حتى باتت تهدد بغزو أوروبا'.
عزيزي القارئ نكتفي بهذا القدر، وانتظرنا في المقال التالي لنستكمل معًا باقي هذه القواعد الهامة ونبدأها بالقاعدة السادسة فإلى اللقاء.
عدل سابقا من قبل mohamademy في السبت يناير 02, 2010 11:02 pm عدل 1 مرات (السبب : بناء على طلب الكاتب)